Emirgan Sütiş
المذكرة الإلكترونية

تاريخ الحلوى

تاريخ الحلوى

كلمة "الحلوى"، كما هي في كل لغة، تحمل معاني إيجابية للغاية، وتذكر بالمتعة والهناء، وتقترن بالمحبة والسعادة. والمكونات الرئيسية للحلوى هي دائما السكر. وإذا ألقينا نظرة على عادات أي طبخ في التاريخ وجدناها تعتبر نقطة تحول الحلوى في تاريخ صنع الحلوى الأناضولية. وأقدم ساكني هذه الأراضي كانوا مذكورين في الحضارة الغربية على أنهم في طليعة صانعي الحلوى. وإذا نظرنا إلى عادات الأغذية لدى أتراك آسيا الوسطى اليوم لم نكد نعثر عندهم على أثر لصنع الحلوى. وهذا ما يدل على أن أجدادنا كانوا مثل الصينيين بعيدين عن فطر الحلوى. ورأينا أنهم بعد الهجرة إلى الأناضول تبنوا سريعا هذه تقاليد الحلوى العريقة في هذه الديار وحافظوا على هذا التراث. وفي العهد العثماني كأن الأتراك تكفلوا بمهمة المزج بين ثقافة الحلوى العريقة في الشرق الأوسط وبين ثقافة الشعوب الساكنين في المنطقة الممتدة إلى أواسط أوروبا. وبفضل الأتراك انصهرت اليوم عادات الطبخ المتنوعة لما لا يحصى من الدول في بوتقة واحدة، وظهرت من جديد مختلف الحلويات القادمة من الشرق والغرب في شكل أكثر رقة بإسطنبول عاصمة الإمبراطورية.

الأرز بالحليب، أقدم حلوانا

أول طعام عرفنا في صبانا هو الحليب. ثم جاء حليب البقر ليعوض مباشرة حليب الأم. ولعل هذا هو السبب الذي جعل الحلويات المحلبة تكون أيضا أول حلوى عرفت في التاريخ.

ولعل حلوى الأرز بالحليب هي أشهر وأحب حلوى لدى الناس من ضمن الحلويات المحلبة. ويتحدث كتاب "ديوان لغة الترك" عن حلوى اسمها "أووا". ووردت وصفتها بأنها "أرز مطبوخ ثم مغطوس في الماء ثم مرشح ماؤه ثم مضاف إليه السكر ثم متناول باردا".

"الأرز بالحليب" ظهر لأول مرة في القرن الخامس عشر في بعض الكتب الطبية باسمين تركيين معناهما "المطبوخ بالحليب"، و"الأرز بالحليب" ثم ورد في شعر كايغوسوز عبدل.

ودخل الأرز بالحليب في الطبخ الإيطالي أيضا، فقد أعد البابا الخامس بيوس مأدبة طعام في سنة 1570 وقدم فيها طعاما ثالثا تمثل في "حلوى بالأرز محضرا على الطريقة التركية منثورا عليه السكر والقرفة". والأرز بالحليب كان حلوى محترمة تحتل مكانها في موائد القصور في تركيا. وحين ذهب السفير البريطاني جون فينتش للمثول أمام محمد الرابع في قصر أدرنة تناول أيضا الأرز بالحليب الذي قدمه الصدر الأعظم في مأدبته.

المحلبي

لعل الحلوى الأخرى التي اشتهرت مثل الأرز بالحليب، بل لعلها فاقته هي حلوى المحلبي.

المحلبي كان حلوى محضرة في مطبخ القصر الملكي بشكليها السادة وعلى أنها صدر الدجاج. استمدت اسمها في الأصل من "المهلبي" أحد أعيان الدولة العباسية المشهورين، فكانت في البداية طعاما مصنوعا باللحم، والأرز، والعسل، والزعفران. ومع مروز الزمان صار إضافة اللحم أمرا راجعا للرغبة. وكان السلطان محمد الفاتح يحب حلوى صدر الدجاج فكان الطباخ يحضر محلبي السلطان دائما بإضافة الحليب ودقيق الأرز ولحم الدجاج إليه. ونجد في كتاب الحكيم العثماني الشرواني الذي ألفه في القرن الخامس عشر تعريفين أحدهما باللحم والآخر بدون لحم، والخالي من اللحم كانوا يطبخونه ثم يضعونه في الصحن ويضيفون إليه الزبدة وماء الورد وينثرون عليه دقيق السكر. وكان المحلبي يحتل مكانه ضمن الحلويات المفضلة في الأعياد ومآدب السفراء في القصر الملكي. وبعد مدة بدأ المحلبي يباع في الشوارع، والمتنزهات، والحمامات. وكانوا ينثرون ماء الورد ودقيق السكر على المحلبي المباع في الشوارع إلى جانب العسل والعدس. وكان الرحالة الغربيون معجبين كثيرا بالمحلبي المصنوع في تركيا؛ لأن لديهم حلوى مصنوعة في مطابخهم باسم "blanc mange". وفي كتاب أطعمة بريطاني ظهر في أواخر القرن التاسع عشر نجد وصفة لمحلبي مصنوع على "الطريقة التركية" أطلق عليه اسم "حلوى رمضان" يضاف فوقها ماء الورد أو ماء الياسمين.

قازان ديبى

كان محمود نديم أول من تحدث عن أصل تسمية قازان ديبى التي تعني قعر القازان (الخزان) واصفا إياه بأن صانعي المحلبي كانوا يكشطون قعر القدر من المحلبي المصنوع بالحليب وحلوى صدر الدجاج فيقلبون أطرافه الحمراء إلى الأعلى فتتشكل طبقة منتظمة فأطلقوا عليه بهذا الاسم. وذكر أحمد جويد الذي عاصر السلطان سليما الثالث بأن أكل الأرز والأطعمة الأخرى العالقة بقاع الفخار والطنجرة لذيذ، وبأنه إذا لم يأكلها صاحب الخانة ملأ بها الخدم معدتهم. وكان صانعو المحلبي الإسطنبوليون يعرفون قيمة هذه اللذة فلم يتركوها للخدم واستفادوا قازي ديبي المعدود واحدا من أنفس الحلويات العثمانية.